من أوجه الإعجاز القرآني أن اللفظة القرآنية الواحدة تشمل إيحاءات مكثفة فالقرآن الكريم يتحدث عن العلاقة الحميمة بين الزوجين بلفظة "الحرث"يقول عز من قائل: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ..} (البقرة 62) فالقرآن الكريم لا يتحدث عن هذه القضية بلغة مباشرة صريحة لأنها قضية حساسة متعلقة بالجانب الغرائزي ولكن القرآن يستخدم اللفظ الموحي والمجاز الجميل لتوصيل المعنى المطلوب ومنح الإنسان المجال كي يستشعر المقصود والمراد فكيف تشبه العلاقة بالحرث العلاقة بين الرجل والمرأة؟
الرعاية الحسية
يهتم الإنسان بالحرث ..يقضى أوقاتا طويلة يتعهده ويهتم به ..انظر إلى الفلاح كيف لا يترك ولو جزءا صغيرا من الأرض دون حرث وتقليب ..كيف يقتلع الحشائش الضارة؟.. كيف يأتي بالمخصبات للتربة؟.. هذا المثل يضربه الله تعالى للرجل القوام على المرأة المسئول عنها مسئولية صاحب الحرث بالحرث فالذي لايحب أرضه لن يبذل جهدا فيها ولن يستمتع بعمله فيها والذي لا يهتم بأرضه لن تثمر وإذا أثمرت فستكون ثمارا ضعيفة مصابة بالآفات كذلك الحال الرجل إن أهمل امرأته ولم يبذل الجهد معها ولم يقدم لها صنوف الرعاية من الحنان والحب.
والرعاية المذكورة في هذه الآية تحديدا مرتبطة بالرعاية الحسية يؤكد ذلك ماجاء في سبب نزول هذه الآية وهو ما رواه جابر أن اليهود كانت تقول: "من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت هذه الآية" ..فاليهود كعادتهم يضيقون ما وسعه الله ويتدخلون في أخص الشئون بين الزوجين كالوضع أثناء العلاقة الزوجية - بعيدا عن العلاقة أثناء الحيض أو الإيلاج داخل الدبر - وتروي أم المؤمنين أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} أنه قال: "يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كانت في صمام واحد". أخرجه مسلم .
إن حرية التعاطي مع الجسد بين الزوج والزوجة هوعين المراد ويشمل ذلك ضمن ما يشمل حرية استخدام الوضع المناسب .
مقدمات ضرورية
ومما تتضمنه هذه الحرية أو فلنقل مما تستوجبه ما تضمنته بقية الآية {وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ..} فالعلاقة الحميمة لابد لها من مقدمات قد تطول أو تقصر وفقا لشأنهما الخاص ويبدو من سياق الآية أن زمام المبادرة هو للرجل الذي تخاطبه الآية بقولها: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} فالعلاقة بما فيها من مقدمات تشبه عملية الحرث من حركة وحيوية واهتمام بكافة المناطق و.........ثم يأتي التعقيب النهائي من المولى عز وجل بتقوى الله ألا يتضمن ذلك إشارة للرجل الذي يهمل آليات الحرث بأنه لا يتقي الله عز وجل بظلمه لنفسه وظلمه لامراته فالرجل الذي يتهم زوجته بالبرود الحسي ويعيش حياة زوجية نكدة ويظل دائما مستحسرا مفتقدا حرارة الزواج وينعكس ذلك على باقي مناحي الحياة فيكون الضيق والغضب هو الأسلوب المفضل في إدارة تفاصيل الحياة اليومية ويكون الصمت الكئيب هو المهيمن في فترات الهدوء ..إذا راجع هذا الرجل نفسه وطريقته لوجد أنه بتقصيره السبب وراء مشاكله الزوجية وبيده إذا اتقى الله عز وجل أن تذوب جبال الجليد التي بناها بجهله بطبيعة العلاقة الزوجية أو أنانيته وتقصيره ثم بعدم تأمله في شريعته التي لم تترك قضية خطيرة كهذه إلا وأشارت إليها إشارة موحية ذات مغزى
المرأة الإيجابية
لا يعني ما سبق أن السعادة الزوجية والحسية هي رهن مشيئة الرجل وحده فإسعاد الرجل هي مهمة المرأة الأولي فعن حصين بن محصن (رضي الله عنه) أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقال لها: "أذات زوج أنت قالت نعم قال فأين أنت منه قالت ما آلوه إلا ما عجزت عنه قال فكيف أنت له فإنه جنتك ونارك" رواه أحمد والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد.. فهو الجنة أو النار أي محور الحياة بالنسبة للمرأة وهو ما أشار إليه حديث آخر بحسن التبعل ولاشك أن أولى خطوات حسن التبعل هذا هو حميمية العلاقة الحسية ودفئها وهذا يعني ببساطة أن تكون المرأة متجاوبة متفاعلة مهتمة بهذه العلاقة وقد يكون من المفيد أن تلم الفتاة قبل البناء بقدر من الثقافة الجنسية لا على الطريقة التي ينشدها العلمانيون والنسويات ولكن عن طريق الأم أو الأخت الكبرى أو ممن تحل محلهما أو من خلال بعض حلقات الفقه في المسجد أو عن طريق إهدائها بعض الكتب التي تتحدث عن هذه القضية بأسلوب علمي رصين ومرجعية إسلامية- وهي كتب موجودة على الرغم من ندرتها- فالكثير من الفتيات يعتقدن اعتقادا جازما أن الفتاة المحترمة هي تلك التي لا تتجاوب مع زوجها من الناحية الحسية وأن الجانب الحسي هو أسوء ما في الزواج وبتعبير بعض الفتيات (مقزز) وهي لا تصارح زوجها بهذه المعتقدات وإنما تتمثلها فتشغل تفكيرها وتشتت انتباهها حتى ينتهي (هو) مما يريد.. عرف فتاة شديدة التدين والحياء وهي فتاة جميلة ولطيفة وكان الجميع ينتظر أن يكون زواجها غاية في السعادة ولكن النتيجة المؤسفة كانت سلسة من المشاجرات والمشاحنات على قضايا تافهة انتهت بالطلاق خلال عام أما السبب الحقيقي وراء هذه المشاحنات كما ذكرت بعد ذلك أنها كانت غير قادرة على ارضائه فترفض ارتداء الملابس التي يفضلها وترفض سلوكياته في الفراش على الرغم من علمها أنها خارج دائرة التحريم ولكنها لم تتقبل ذلك شعوريا فكانت النتيجة أنه حقد عليها وضاق بها فكان يتصيد لها الأخطاء ويفتعلها (الطعام ينقصه الملح.. لمنزل غير مرتب.. ماذا تعاملين أمي هكذا.. ا تذهبين لحلقات العلم..) هذه الحالة ليست فردية فسوء العلاقة الحسية لا يعلن كسبب للشجار وإنما يتوارى وراء نوعية أخرى من المشكلات وقد لا تنتهي كل الحالات بالطلاق ولكن تبقى كعلاقات فاترة مليئة بالنكد. ويشمل حسن التبعل اهتمامها بمظهرها وأناقتها وقوامها وشعرها ..بحيث إذا نظر إليها سرته خاصة مع كثرة المغريات والفتن ولابأس أن تتابع المرأة الجديد في أدوات الزينة - إذا كان الوضع الاقتصادي يسمح بذلك ودون إسراف- فكما تهتم المرأة المتبرجة بزينتها أمام الغرباء الأجانب فالأولى أن تكون المرأة الملتزمة أشد اهتماما بذلك في بيتها وأمام زوجها ويرتبط بذلك الرقة في القول أو الخضوع به والضحكات الجذابة وغير ذلك من فنون الإغراء التي تستطيع كل امرأة أن تتقنها لو أرادت ذلك واعتبرته عملا تنشد به رضاء الله عز وجل.
مشاعر جياشة
نستطيع القول إذن أن الإسلام أولى العلاقة الحميمية اهتماما بالغا وقدم التوجيهات الفعالة لكل من الزوجين كي تنجح علاقتهما الحسية التي هي على علاقة جدلية مع العلاقة العاطفية بينهما بحيث ينعكس ذلك على كافة صور الحياة بين الزوجين.